Saturday, September 11, 2010

العرب وعقدة الأنثى

أجد أن الآيات الأولى من سورة النجم هي أجمل ما ورد في القرآن على الإطلاق من ناحية اللغة
والمعنى. وكلما قرأت هذه الآيات رأيتني مشدودا بسحرها، فأخذت بتردادها مرارا وتكرارا. ربما ما أعجبني في هذه الآيات هي الثقة البالغة التي يتكلم بها محمد ويحاول أن يضفيها عن صدقية الوحي وبطريقة شعرية أو نثرية أخّاذة. مثلا:

٢. ما ضل صاحبكم وما غوى
٣. وما ينطق عن الهوى
١١. ما كذب الفؤاد ما رأى
١٧. ما زاغ البصر وما طغى

وأتساءل أحيانا إذا كانت هذه الآيات تؤجج فيّ أنا الملحد الشعور بالإعجاب والإنبهار فكيف بوقعها على المؤمن بالقرآن ككلام الله؟ طبعا لا أتعجب إن استحوذت هذه الآيات على قلب المؤمن وعقله وجميع حواسه.

الغريب في الأمر أن بعد الآية رقم ١٧ (ما زاغ البصر وما طغى) تتخذ سورة النجم منحى مختلفا كليا لا يتناسج أبدا مع روعة الآيات السابقة. بل يشكل ما بعد الآية ١٧ برأيي أبشع ما ورد في القرآن وأحد أدمغ الأدلة على عدم ألوهيته. لننظر مثلا إلى الآيات التالية من سورة النجم:

١٩. أفرأيتم اللات والعزى
٢٠. ومناة الثالثة الأخرى
٢١. ألكم الذكر وله الأنثى
٢٢. تلك إذا قسمة ضيزى

إن موضوع معاملة المرأة في الإسلام هو أحد أهم النواحي الإسلامية المثيرة للجدل وأبرز المآخذ على الإسلام كشريعة إلاهية. وغالبا ما تتمركز الإنتقادات للإسلام حول أمور كالحجاب، ضرب المرأة، تعدد الزوجات، الإرث، شهادة المرأة أمام القاضي، إلخ. ولكنها تغفل هذه الآيات من سورة النجم مع انها تشكل إدانة واضحة للخالق لا يستطيع المتفذلكين من علماء الدين ردّها أو الإجابة عنها. فهنا يستنكر الله إتخاذ آلهة غيره، وبالتحديد إدعاء أن اللات والعزى ومناة هم بنات إله من آلهة قريش. العجيب الغريب في الأمر ان استنكار الله يتموضع حول كون هذه الآلهة إناثا (لا ذكورا). أي أن الله جعل من هذه المناسبة فرصة لاحتقار المرأة واعتبارها مخلوقا دونيا حتى ولو أن الفرصة لهذا الإحتقار لم تكن في محلها أصلا. وكان بالأجدى لله هنا أن يتنبه إلى مسألة الإشراك به وهي أهم جدا من تفاصيل ثانوية كجنس الآلهة. فالإشراك بالله واعتبار أنه إتخذ ولدا هو كفر بحد ذاته. ما قل هذا الكفر أو زاده جنس المولود. هنا يتناسى الله أحد أهم ركائز الإسلام (عدم الإشراك بالله الذي لم يلد ولم يولد) ليركز غيظه على كون جنس آلهة قريش إناثا.

إذا تكشف هذه الآيات عن نظرة فلسفية مجردة للمرأة لا تتأثر بالزمان والمكان. فربما يستطييع علماء الدين تبريير العديد من الإساءات الواردة في القرآن للمرأة من خلال ربط ما ورد في القرآن بالظروف الإجتماعية المواكبة لزمن إنزال الآية. نسمع مثلا أن الإسلام أعطى للمرأة مكانة أفضل مما كانت لها عليه في الجاهلية (مع انني لا أتفق مع هذه المقولة). ولكن كيف يبرر العلماء تغافل الله عن الإشراك به، وتهجمه على المرأة بهذه الطريقة البغيضة الغير مبررة تماما؟ ولا يتوقف غضب الله على المرأة في سورة النجم عند الآيات ٢٢-١٩ بل يكمل:

٢٧. إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى

بالنسبة لإله القرآن إن إضفاء إسم أنثى على الملائكة هي إساءة بحد ذاتها! إذا ليست المرأة فقد مخلوقا دونيا، ولكن لغويا أيضا الإسم المؤنث هو أدنى من الإسم المذكر. نسأل هنا ماذا لو كانت العربية كلغات أخرى لا تفرق بين المذكر والمؤنث؟ أي إذا كانت اللغة مجرد آداة لإيصال فكرة، فما قيمة هذه الآية التي تعتبر أضفاء صفة الأنوثة على مخلوقات غير إنسانية كالملائكة نوعا من الهرطقة.

ربما تنبثق هذه الرؤية الإسلامية المحقرة للأنثى من عوامل نفسية لكاتب (أو كاتبي) القرآن. نعلم مثلا أن محمد لم ينجب ذكورا وكان هذا الأمر سببا لمعايرته من قبل أعدائه من قريش، مما اضطر الله لإنزال سورة الكوثر ليواسي بها محمد ويخفف من آلامه النفسية:

إنا أعطيناك الكوثر، فصلي لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر.

وربما ان لسورة النجم كغيرها من سور القرآن عدة مؤلفين مما يفسر هذا التناقض الغريب بين روعة الجزء الأول وبشاعة الجزء الثاني. في كلتا الحالتين تبين هذه الآيات بدون شك عن عقدة نفسية دفينة تجاه الأنثى أكانت مربوطة بشخص محمد أو مجتمع بكامله. وما زال مجتمعنا العربي اليوم حاملا لهذه العقدة الموروثة بسب تمسكنا بمعتقدات بدائية بالية.

Saturday, August 7, 2010

الله وهتلر

غالبا ما نسمع أن الأديان السماوية قد أتت كرسالة من الخالق لنشر المحبة والتسامح والأخلاق الحميدة بين البشر. وإذا تحاورت مع المتدينين عن مساوئ الديانات والحروب التي نتجت عنها، وجدّت المدافعين عن هذه الديانات يدّعون أن من قام بقتل البشر بإسم الدين هو خارج عن الدين. أي أن بن لادن وجورج بوش مثلا لا يمثلون الإسلام والمسيحية، وهما ديانتا حب وسلام وتسامح. وبعد تفكير ملي وجدّي إستنتجت زيف هذه المقولة، بل أكثر من ذلك توصلت إلى أن الديانات الإبراهيمية بالذات هي أشبه بالنازية من حيث المعتقد.

للنازية رؤية محددة في كيفية الحكم. تتميز هذه الرؤية بالإستبداد والتوتاليتارية. فمن لم يؤمن بالعقيدة النازية أصبح مدانا وملاحقا متى استلم النازيون مقالد السلطة. ولقد تجسدت هذه التوتاليتارية بأبغض أشكالها من خلال المحرقة اليهودية. فقد آمن هتلر بدونية اليهود (وشعوب أخرى) وشرّع بذلك بتصفيتهم لا لذنب أو جرم إقترفوه، بل فقط لإختلاف عقيدتهم وجنسهم (ولو كان للعرب والأتراك تواجد كبير في المانيا في تلك الحقبة لما توانى هتلر عن إبادتهم أيضا).

أما الديانات الإبراهيمية فتؤمن جميعا بوجود مكان في الحياة الأخرى يسمى بالنار أو جهنم، يعذب فيه بعض البشر. ولو كان هذا المكان حكرا على من ارتكب جرائم فظيعة في الحياة ما كانت المقاربة بالنازية في محلها. ولكن إذا تمعنّا في دراسة هذه الأديان وجدنا أن الجرائم كالقتل والإغتصاب والسرقة تعتبر أخطاء ثانوية لا تحْرم مرتكبيها من الغفران. أما الخطأ الأكبر الذي لا يغتفر فهو عدم الإيمان بذلك المعتقد. ففي المسيحية مثلا نرى بوضوح أن المسيح هو الطريق الوحيد للخلاص (يوحنا 14:6 قال له يسوع انا هو الطريق والحق والحياة ليس احد ياتي الى الاب الا بي). وقد تجادلت مرارا مع إنجيليين مسيحيين يؤمنون أن من مات وهو غير مؤمن بالمسيح فهو ذاهب حتما إلى النار مهما كان صالحا في حياته. نجد نفس المقاربة طبعا في الإسلام حيث يغفر الله ما شاء من ذنوب إلا "أن يشرك به".

تصبح الصورة الآن أكثر وضوحا. فهذه المعتقدات الإبراهيمية لا تهتم بإنتاج مجتمع صالح كما يدّعي المتدينون بقدر ما تهتم بفرض عقيدتها على البشر تحت طائلة الملاحقة القانونية... أي التهديد بالحرق في نار أبدية. ولو كان الأمر غير ذلك لما احتجنا إلى هذه الديانات في الأساس، لأن ما يعرف بالأخلاق الإنسانية التي تحدد الخطأ والصواب وجدت عند قدماء اليونان قبل ظهور الأديان بمئات السنين. الديانات الإبراهيمية إذا كالنازية تتطلّب الطاعة التامة من البشر، وتعاقب من لا يؤمن بها بمحرقة تفوق محرقة هتلر بشاعة.

يمكن أن نُبَيّن إختلافا واحدا بين محرقة هتلر والمحرقة الإلهية يكمن بأن الأولى هي محرقة حقيقية تواجدت على الأرض في زمن ما، أما الثانية فهي محرقة وهمية لا توجد إلا في عقول المتدينين. ولا يُبرئ هذا الإختلاف الأديان من الصفة النازية للسبب التالي. إِنّ النيّة في تجريد البشر من إِنسانيتهم ليصبح "حرقهم" مشروعا (بل ويمثل عدالة إنسانية كانت أم إلاهية) موجودة عند الفئتين. صحيح أن معظم المتدينين لا ينادون بإنشاء محارق على الأرض للتخلص من أعدائهم، ولكن مجرد الإيمان بفكرة النار يُعد خطوة أولى ومهمة لتقبل مبدأ المحاكمة والتنكيل بالآخر. ونستطيع أن نستخلص من التاريخ كيف استخدمت هذه الفكرة من قبل المسيحيين لإستباحة قارة باكملها هي أميركا اللاتينية وإبادة سكانها الأصليين. أضف أننا إذا نظرنا إلى أوروبا العصور الوسطى لوجدنا أن المحرقة الإلهية لم تكن وهمية بل كانت محرقة حقيقية استخدمت للتخلص من كل من عارض سلطة الكنيسة (وهي طبعا تمثل سلطة الله على الأرض). أما الأمثلة الإسلامية من الفتوحات إلى يومنا هذا فهي كثيرة وليست بأفضل.

نستخلص أن كلّ من آمن بالنار معتبرا أنها مصير طبيعي لكلّ من لم يتبع ملته فهو لا يختلف كثيرا عن النازيين في المعتقد. أما الملحدون الإنسانيون (atheist humanists) وأنا أحدهم فلا مقدرة عندنا لتبرير التنكيل والتعذييب بأي إنسان مهما كانت خطيئته، لأن ذلك يتعارض مع مبدأ الإنسانية. على العكس فنحن نتفهم تعصب المتدينين وعمى بصيرتهم على أنه نتاج هذه البيئة الدينية ذات المعتقدات البدائية الموروثة أبا عن جد. وفي النهاية أقول لرفاقي المتدينين: لا أتمنى لكم عذابا أبديا بل أتمنى لكم تنوّر بصيرتكم.