ماذا لو قُدّر للملحديين أن يختاروا ثالوثا مقدسا لعبادته على غرار الثالوث المقدس عند المسيحيين؟ للوهلة الأولى يمكننا الجزم بأن أي نوع من العبادة يتنافى مع مبدأ الإلحاد. وتنم بذلك فكرة إتخاذ الملحديين آلهة عن نوع من التناقض أو تصبح مدعاة إلى السخرية. ولكن إذا نظرنا إلى الأمر بشكل أكثر جدّية لوجدنا أن للإلحاد في المفهوم المعاصر عدة تعاريف. أحد هذه التعاريف هو عدم الإيمان "بالإله الشخصي"، أي الإله عند الديانات الإبراهيمية الذي خُلق على صورة الإنسان. هذا الإله الذي يغضب وينتقم ويحب ويسامح بل ويبذل جهدا في إدارة أموره حتى أنه إضطر إلى الإستراحة يوما كاملا بعد خلق الكون. أما الأسباب التي أدت إلى بروز هذا النمط الجديد من الإلحاد، فتعود برأيي وبالدرجة الأولى إلى إحتكار الديانات الإبراهيمية لإسم الله (god) مما يجعل مفهوم كلمة الله في يومنا هذا مرتبطا إرتباطا حصريا بالإله الشخصي. مثلا، عندما قال أنشتاين أن "الله لا يلعب النرد مع الكون" إستُغلت هذه العبارة الشهيرة للترويج بأن أنشتاين كان يؤمن بالله وفقا للصورة التوراتية (الإنجيلية). ولكنّ أنشتاين وضّح مرارا وبشكل صريح وحازم أنه لا يؤمن بإله اليهود (المسيحيين). ومن أجمل ما قاله أنشتاين في نقض خرافة الإله الشخصي الإبراهيمية هي العبارة الموجودة (بالإنكليزية) في عنوان هذه المدونة: "لا أستطيع أن أتصور إلهاً يكافئ ويعاقب مخلوقاته، إلهاً يحدد أهدافه وفقا لأهدافنا نحن البشر، إلهاً هو باختصار انعكاس لضعفنا البشري. كما أنني لا أستطيع أن أصدق بأن الإنسان يستمر بعد موت جسده، مع أن الكثير من ضعفاء النفوس يؤمنون بذلك أما بدافع الخوف أو بدافع النرجسية البلهاء."
إن إله أنشتاين إذا هو أبعد ما يكون عن الإله الشخصي في الديانات الإبراهيمية. إله أنشتاين ربما هو القانون الفيزيائي الذي يسيّر هذا الكون. ووفقا لهذا التعريف لا يصبح الإختلاف كبيرا بين من أنكر وجود علة أولى أي الملحد في التعريف الضيق للكلمة، ومن إعتقد أن العلة تكمن في القوانين الفيزيائية نفسها. وقد تكلم دوكينز عن هذا المفهوم للإيمان في كتابه "وهم الإله"، عندما قال: "أنا أيضا مؤمن... ولكني أفضل أن لا أصف نفسي بالمؤمن لأن ذلك الوصف مضلل. إنه مضلل بشكل كبير لأن الإيمان عند معظم الناس يرتبط بالأشياء الخارقة للطبيعة." ويكمل دوكنز: "لقد أجاد كارل سغان الوصف عندما قال: إذا قصدنا بكلمة الله القانون الفيزيائي المسيّر للكون، فهذا الإله هو حتما موجود. ولكن هذا الإله غير مرضي على المستوى العاطفي... لأنه من غير المجدي مثلا أن نصلي لقانون الجاذبية."
لنعد الآن إلى الطرح الأول، أي فكرة إتخاذ ثالوث مقدس للملحدين. صار بالإمكان عدم تناقض هذه الفكرة مع مبدأ الإلحاد شرط الإبتعاد عن التوصيفات الشخصية للآلهة. وبما أننا في عصر متمدن نسبيا قياسا بالحقبة الزمنية التي شهدت ولادة الثالوث المسيحي، فأنا أجزم أننا كملحديين نستطيع أن نأتي بثالوث أفضل وأكثر فائدة من الثالوث المسيحي. نحن لا نبحث عن آلهة لتحدد ما نأكل وما نشرب ومع من نمارس الجنس وكيف نقسم الإرث، إلخ. بل نطمح إلى آلهة تستطيع الإجابة، اما الآن أو في المستقبل، عن الأسئلة الثلاثة الكبرى في التاريخ البشري، وهي:
١. كيف وُجد الكون؟
٢. كيف إنبثقت الحياة من المادة؟
٣. لماذا نطرح نحن البشر هذين السؤالين الأولين؟
لا نملك اليوم جوابا عن أي من هذه الأسئلة الثلاثة. ولكن إن كان هناك من أمل ضئيل في معرفة جواب شاف لهذ الأسئلة فالفضل يعود بذلك إلى المعارف التالية:
١. الفيرياء:
٢. علم الأحياء
٣. الفلسفة
قد يظن الكثير أن الفلسفة تتعاطى بمفاهيم مجردة لا تمت بصلة إلى الواقع ولا تؤثر على الحياة البشرية. ولكن للفلسفة قيمة عملية مهمة هي وضع الإسس الأخلاقية التي بنيت عليها الحضارات على مر الأزمان. هذه الأسس الأخلاقية التي سَرقت الديانات الإبراهيمية الكثير منها وادعتها لنفسها. وما يميز الفلسفلة على الأديان أن المعايير الأخلاقية تماما كالقوانين الفيزيائية في تطور مستمر. ففي زمن غير بعيد كانت المثيلية الجنسية تعتبر جرما. أما اليوم فقد أدركت معظم المجتمعات المتحضرة أن الخيار الجنسي هو أمر يندرج في خانة الحرية الشخصية. أما المجتمعات التي ما زالت تجرم المثيلية فهي تفعل ذلك بناء على تجريم المثيلية في الكتب المقدسة. وهي لا تستطيع بحكم تدينها الخروج عن هذا التجريم. نحن بأمس الحاجة إلى الفلسفة لمواكبة التطور العلمي المستمر وإعادة تقييم التجربة الإنسانية عند كل منعطف جديد.
ختاما، أنا بالطبع لا أملك البراهين على أن آلهتي الفلسفة وعلم الأحياء والفيزياء هم من خلق الكون. كما لا يملك المسيحيون البراهين على ضلوع الأب والإبن والروح القدس في عملية الخلق. ولكننا كلانا ندين لآلهتي أنا لتفسير مظاهر الطبيعة، للتكنولوجيا التي نستخدمها اليوم في كافة مجالات الحياة، للتطور الطبي في معالجة الأمراض والتقدم المستمر للحضارة البشرية. أما آلهتهم فهديتها إلى البشرية منذ ظهورها إلى اليوم هي القمع ومحاولة اسكات الحقيقة وإعاقة التقدم العلمي.
إن إله أنشتاين إذا هو أبعد ما يكون عن الإله الشخصي في الديانات الإبراهيمية. إله أنشتاين ربما هو القانون الفيزيائي الذي يسيّر هذا الكون. ووفقا لهذا التعريف لا يصبح الإختلاف كبيرا بين من أنكر وجود علة أولى أي الملحد في التعريف الضيق للكلمة، ومن إعتقد أن العلة تكمن في القوانين الفيزيائية نفسها. وقد تكلم دوكينز عن هذا المفهوم للإيمان في كتابه "وهم الإله"، عندما قال: "أنا أيضا مؤمن... ولكني أفضل أن لا أصف نفسي بالمؤمن لأن ذلك الوصف مضلل. إنه مضلل بشكل كبير لأن الإيمان عند معظم الناس يرتبط بالأشياء الخارقة للطبيعة." ويكمل دوكنز: "لقد أجاد كارل سغان الوصف عندما قال: إذا قصدنا بكلمة الله القانون الفيزيائي المسيّر للكون، فهذا الإله هو حتما موجود. ولكن هذا الإله غير مرضي على المستوى العاطفي... لأنه من غير المجدي مثلا أن نصلي لقانون الجاذبية."
لنعد الآن إلى الطرح الأول، أي فكرة إتخاذ ثالوث مقدس للملحدين. صار بالإمكان عدم تناقض هذه الفكرة مع مبدأ الإلحاد شرط الإبتعاد عن التوصيفات الشخصية للآلهة. وبما أننا في عصر متمدن نسبيا قياسا بالحقبة الزمنية التي شهدت ولادة الثالوث المسيحي، فأنا أجزم أننا كملحديين نستطيع أن نأتي بثالوث أفضل وأكثر فائدة من الثالوث المسيحي. نحن لا نبحث عن آلهة لتحدد ما نأكل وما نشرب ومع من نمارس الجنس وكيف نقسم الإرث، إلخ. بل نطمح إلى آلهة تستطيع الإجابة، اما الآن أو في المستقبل، عن الأسئلة الثلاثة الكبرى في التاريخ البشري، وهي:
١. كيف وُجد الكون؟
٢. كيف إنبثقت الحياة من المادة؟
٣. لماذا نطرح نحن البشر هذين السؤالين الأولين؟
لا نملك اليوم جوابا عن أي من هذه الأسئلة الثلاثة. ولكن إن كان هناك من أمل ضئيل في معرفة جواب شاف لهذ الأسئلة فالفضل يعود بذلك إلى المعارف التالية:
١. الفيرياء:
إن كنت قد رأيت أبعد من غيري بقليل، فذلك لأني وقفت على أكتاف العمالقة. إسحق نيوتن
السؤال الأول مرتبط إرتباطا تاما بالفيزياء. الفيزياء هي أساس العلوم كافة وأجملها. روعة الفيزياء تكمن أنه من خلال بعض القوانين الأساسية نستطيع تفسير والتنبؤ بالكثير من الظواهر الطبيعية بدقة متناهية. طبعا لا تملك الفيزياء اليوم جوابا عن السؤال الأول، ولكن عدم امتلاك المعرفة الشاملة هو حافز مهم على مواصلة البحث العلمي بل إن عدم إمتلاك المعرفة هو أفضل بكثير من الإدعاء الزائف بالمعرفة. كما أنه لا يوجد في الفيزياء قوانين مقدسة أو أنبياء. فقد جاء أنشتاين بنظرية النسبية ليعالج ما عجزت عنه ميكانيكا نيوتن الكلاسيكية. ولكن ما جاء به أنشتاين ليس بنهائي. فما زال العلماء اليوم يبحثون عن نظرية جديدة توفّق بين النسبية والميكانيكا الكميّة. وهذا التطور المستمر الذي تتسم به مختلف العلوم يقف كنقيص تام للركود الذي تتسم به الديانات، حيث تضفى هالة القدسية على معتقدات بائدة مما يجعل نقدها أو تصحيحها أمرا مستحيلا.٢. علم الأحياء
الجهل عادة ما يولد الثقة أكثر من المعرفة: هؤلاء الذين يعرفون قليلا لا كثيرا هم من يصر بثقة تامة أن معضلة ما لن يوجد لها تفسير علمي أبدا. شارلز داروين
علم الأحياء هو علم مستقل نسبيا عن الفيزياء وذلك بسبب التعقيد الكثير للجزيئات البيولوجية كالبروتينات. هذه الجزيئات تتكون من آلاف الذرات المتحدة كيميائيا، مما يجعل إستخدام الفيزياء الكمية لتحديد خصائصها صعبا للغاية. ولذلك يوصف علم الأحياء بأنه من علوم الظواهر (Phenomenology) لأنه غير منبي على القوانين الفيزيائية. هذا لا يعني أن الظواهر البيولوجية لا تتبع القوانين الفيزيائية. ولكن يصعب ربط هذه الظواهر بالقوانين الفيزيائية ربطا مباشرا. ولكن هذا العلم استطاع من خلال نظرية دارون للتطور أن يفسر تنوع الكائنات الحية وأن يردها جميعا إلى مصدر مشترك واحد، وبذلك نسف اسطورة الخلق الإبراهيمية. ولا نستبعد أن يؤدي التقدم في علم الأحياء في يوم من الأيام إلى الإجابة عن السؤال الثاني من خلال التجارب التي تطمح إلى خلق خلايا حية في المختبر. ٣. الفلسفة
لا أعرف كيفية تدريس الفلسفة دون أن أصبح مزعجاً للأديان. باروخ سبينوزا
قد يظن الكثير أن الفلسفة تتعاطى بمفاهيم مجردة لا تمت بصلة إلى الواقع ولا تؤثر على الحياة البشرية. ولكن للفلسفة قيمة عملية مهمة هي وضع الإسس الأخلاقية التي بنيت عليها الحضارات على مر الأزمان. هذه الأسس الأخلاقية التي سَرقت الديانات الإبراهيمية الكثير منها وادعتها لنفسها. وما يميز الفلسفلة على الأديان أن المعايير الأخلاقية تماما كالقوانين الفيزيائية في تطور مستمر. ففي زمن غير بعيد كانت المثيلية الجنسية تعتبر جرما. أما اليوم فقد أدركت معظم المجتمعات المتحضرة أن الخيار الجنسي هو أمر يندرج في خانة الحرية الشخصية. أما المجتمعات التي ما زالت تجرم المثيلية فهي تفعل ذلك بناء على تجريم المثيلية في الكتب المقدسة. وهي لا تستطيع بحكم تدينها الخروج عن هذا التجريم. نحن بأمس الحاجة إلى الفلسفة لمواكبة التطور العلمي المستمر وإعادة تقييم التجربة الإنسانية عند كل منعطف جديد.
ختاما، أنا بالطبع لا أملك البراهين على أن آلهتي الفلسفة وعلم الأحياء والفيزياء هم من خلق الكون. كما لا يملك المسيحيون البراهين على ضلوع الأب والإبن والروح القدس في عملية الخلق. ولكننا كلانا ندين لآلهتي أنا لتفسير مظاهر الطبيعة، للتكنولوجيا التي نستخدمها اليوم في كافة مجالات الحياة، للتطور الطبي في معالجة الأمراض والتقدم المستمر للحضارة البشرية. أما آلهتهم فهديتها إلى البشرية منذ ظهورها إلى اليوم هي القمع ومحاولة اسكات الحقيقة وإعاقة التقدم العلمي.